ورغم أن واشنطن سارعت لشن أقوى هجوم من نوعه ضد نظام مبارك والحكومة المصرية عشية "جمعة الرحيل" ، إلا أن هناك من يرجح أن هذا الأمر قد يصب في مصلحة مبارك بالنظر إلى رفض المصريين الشديد للتدخل الأمريكي في شئونهم الداخلية .
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولي جدد في تصريحات له مساء الخميس الموافق 3 فبراير الدعوة للبدء بإجراءات نقل السلطة في مصر على الفور ودون تأخير .
وأشار في هذا الصدد إلى تلقي واشنطن معلومات حول وقوف محسوبين على النظام الحاكم وراء أحداث الأربعاء الدامي ، مرجحا أن تخرج مظاهرات ضخمة يوم الجمعة الموافق 4 فبراير.
وسرعان ما خرجت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هي الأخرى بتصريحات انتقدت خلالها بشدة الهجمات على الصحفيين والمعارضين في ميدان التحرير ، مطالبة الحكومة المصرية وممثلي المعارضة ببدء مفاوضات نقل السلطة على الفور .
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد حملت كلينتون أيضا الجيش المصري وحكومة أحمد شفيق مسئولية حماية المحتجين ، وما أن انتهت من تصريحاتها السابقة إلا وسارع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لإجراء اتصال هاتفي بنظيره المصري عمر سليمان لدعوته لإجراء حوار مع المعارضة على الفور وتشكيل حكومة ديمقراطية .
وكان آخر فصول التدخل الأمريكي السافر في الشأن الداخلي المصري هو تقديم مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي يطالب مبارك بنقل السلطة في مصر فورا إلى حكومة مؤقتة ، الأمر الذي أعاد للأذهان ذكريات الوصاية الدولية وعقود الاحتلال والإمبرالية العالمية.
ويبدو أن واشنطن لن تقف عند حدود ما سبق بالنظر إلى أن نظام مبارك الذي كان حتى أيام قليلة مضت من أقرب حلفائها في المنطقة بدا وكأنه بات يشكل عبئا عليها وقد يهدد مصالحها في حال تفجرت الأوضاع بطريقة غير محسوبة من وجهة نظر مصالحها في المنطقة .
ولعل تخبط التصريحات والمواقف الأمريكية منذ تفجر ثورة شباب 25 يناير يدعم صحة ما سبق ، فبعد أسبوع من إعلان واشنطن أن حكومة الرئيس مبارك مستقرة إذا بها تتراجع مع تصاعد حدة الاحتجاجات وتدعوه إلى بدء إجراءات نقل السلطة على الفور.
وبصفة عامة ، فإنه رغم أن ثورة الشباب التي تفجرت في 25 يناير أصرت بشدة على تنحي مبارك ، إلا أن الأمر الذي يجمع عليه المصريون أن الأزمة الحالية ينبغي أن يتم حلها في إطار داخلي بعيدا عن أية تدخلات أمريكية.
ويبقى التساؤل اللغز " ماذا سيحدث في جمعة الرحيل ؟ "
وبالنظر إلى أن الإجابة ليست بالسهلة في ظل وتيرة الأحداث المتسارعة والتي تحمل مفاجآت كثيرة بين لحظة وأخرى ، فقد تباينت التفسيرات في هذا الصدد ، فهناك من يرى أن صوت العقل قد يحسم الأمر في النهاية خاصة بعد تعهد مبارك بعدم البقاء في السلطة عقب نهاية فترته الحالية في سبتمبر/أيلول المقبل وتعهده أيضا بتعديل الدستور ومكافحة الفساد واحترام أحكام القضاء بشأن دعاوى التزوير في الانتخابات البرلمانية السابقة بالإضافة إلى تعيينه نائبا له وهو مطلب تجاهله منذ توليه السلطة قبل 30 عاما ، الأمر الذي يعني أنه قبل معظم مطالب المحتجين وفي مقدمتها الرحيل عن السلطة ولو بشكل غير فوري .
أيضا فإن تأكيد مبارك أكثر من مرة أنه يريد أن يموت في مصر قوبل ببعض التعاطف الشعبي ، بل وذهب البعض في هذا الصدد إلى أن كل تلك التنازلات من جانب رئيس لم يعتد على ذلك طوال 30 عاما أمر يجب تقديره حتى لو جاء تحت الضغط الشعبي.
ورغم غياب الثقة بين المحتجين ونظام مبارك ، إلا أن التفسير السابق يرى أن الشعب قد تغير وعرف أخيرا طريقه للتظاهر والضغط من أجل التغيير وبالتالي يمكنه التحرك مجددا إذا لم ينفذ الرئيس تعهداته.
وفي المقابل، يرى البعض الآخر أن استجابة مبارك لمطالبهم جاءت متأخرة جدا وأن تصريحاته منذ تفجر ثورة شباب 25 يناير تؤكد أنه لا يدرك حجم الرفض الشعبي ولا يأبه إلا بالتشبث بالسلطة بدعوى تجنيب البلاد ويلات عدم الاستقرار.
بل وذهب هذا التفسير إلى أن تنازلاته غير المعتادة جاءت تحت وطأة الضغوط وأنه استنكف عن مجرد تقديم الاعتذار لأسر من قضوا من المحتجين برصاص الشرطة .
وأيا كان صحة ما سبق وإلى حين يتم حسم الجدل في هذا الصدد خلال الأيام المقبلة ، فإن الأمر الذي لاجدال فيه أن ما حدث في ميدان التحرير يوم الأربعاء الموافق 2 يناير بات يشكل وصمة عار في التاريخ المصري العريق ولذا لابد من تخلي الجميع عن حساباتهم الشخصية سريعا لتفويت الفرصة على المتربصين وخاصة إسرائيل من جهة واستعادة مصر دورها الريادي في العالمين العربي والإسلامي من جهة أخرى