الشيخ عمر عبد الرحمن وعدالة الأمريكان
بقلم : عبد الآخر حمادما أثير في بعض أجهزة الإعلام مؤخراً على لسان الملحق الإداري السابق للسفارة المصرية في واشنطن من أنه كان قد تعرص لضغوط شديدة من المخابرات المصرية لمحاولة الإيقاع بشيخنا الدكتور عمر عبد الرحمن وتلفيق التهم إليه إبان إقامته في الولايات المتحدة في الفترة التي سبقت اعتقاله وتقديمه للمحاكمة ، أقول هذا الذي أثير لم يكن مفاجئاً لنا نحن تلاميذ الشيخ المتابعين لقضيته .
فلقد كنا من أول يوم ندرك حجم المؤامرة الدنيئة التي تعرض لها الشيخ الحليل لا لشيء إلا لأنه كان صادعاً بالحق في وجه طغيان مبارك وزمرته ،وفي وجه الهيمنة الأمريكية وسيطرتها على بلاد المسلمين .
وأنا أعلم أنه ليس من المنهج السديد الإكثار من اللجوء إلى ما يسمى بنظرية المؤامرة بما تعنيه من تعليق نتائج أخطائنا على عاتق الآخرين ،لكن حين تكون الأدلة على الكيد والتآمر واضحة جلية ،فما الذي يمنع من أن نسمي الأمور بأسمائها ونضع الأشياء في نصابها ؟!
إن المتابع لقضية الشيخ عمر عبد الرحمن لا يجد كبير عناء في اكتشاف حجم المؤامرة الدنيئة التي دبرت له ،والظلم الصارخ الذي وقع عليه ليس فقط بمقاييسنا الإسلامية ،بل حتى بمقياس كل قانون تواضع الناس عليه وكل عرف تعارفوا عليه .
فقد تأكد في أثناء محاكمة الشيخ أن التهم التي وجهت له كانت مبنية على أقوال مرسلة صدرت من الشيخ رداً على استفتاءات كان يصوغها بعناية وإلحاح عميل مصري يدعى عماد سالم دسه عليه جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكية بالتعاون مع أجهزة النظام المصري البائد ،وأمدوه بالأموال الطائلة من أجل تنفيذ مهمته في الإيقاع بالشيخ وتوريطه في بعض الأقوال التي يمكن محاكمة الشيخ على أساسها .
ومع أن القانون الأمريكي لا يجيز التوصل إلى القبض على الأناس المشتبه بهم عن طريق تحريضهم على ارتكاب الجرائم ،إلا أن رجال المباحث الفيدرالية كانوا يحرضون العميل المذكور على الإيقاع بالشيخ عن طريق توجيه بعض الأسئلة إليه ومحاولة الحصول على إجابات معينة منه ،حتى إن هناك شريطاً قد قدم بطريق الخطأ إلى المحكمة وكان يحوي مكالمة بين عماد سالم وبين ضابط في المباحث الفيدرالية يعلمه فيه الضابط كيف يوجه السؤال للشيخ ،ويطلب منه أن يحاول استدراجه ليقول عبارات معينة ؛لأن تلك العبارات هي التي يمكن اتخاذها أدلة ضده.كما ثبت أن ذلك العميل كان يحرض بعض الشباب الأغرار الذين كانوا يترددون على مجالس الشيخ على ضرورة القيام بعمل مسلح ضد الولايات المتحدة الأمريكية موهماً إياهم أنه قد أخذ الإذن من الشيخ بذلك ، وهو ما لم يحدث بالكلية ، وراح يجهز لهم مكاناً يتدربون فيه على صناعة المتفجرات ، وفيما بعد استند الادعاء الأمريكي على ذلك في إثبات وجود جماعة إرهابية يقودها الشيخ للقيام بتفجيرات وحرب مدن في داخل أمريكا .
وفي إحدى جلسات المحاكمة سألت محامية الشيخ عماد سالم عما إذا كان هدفه الأول هو الإيقاع بالدكتور عمر فأجابها بالإيجاب ، وقد كان ذلك كافياً لإسقاط التهم عن الشيخ ،ولكن المحكمة استمرت في نظر القضية وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة بالإضافة إلى خمس وستين سنة أخرى ، وقد عمد القاضي –وقد كان يهودياً - إلى قانون استثنائي قديم لم يطبق منذ الحرب الأهلية الأمريكية ليحاكم الشيخ بمقتضاه ، فأصدر تلك الأحكام القاسية بناء على تهم لو صحت فإنه لا يَقبل منطق ولا عقل أن تكون عقوبتها هي تلك الأحكام ، ويكفي أن نعلم أن عقوبة السجن مدى الحياة كانت فقط على تهمة التحريض على قتل الرئيس المخلوع حسني مبارك ،وهي تهمة ليس عليها من دليل إلا إدعاء العميل عماد سالم أن الشيخ قد حرضه على قتل مبارك عند زيارته لنيويورك في تلك الفترة ،وقد نفى الشيخ أي علاقة له بهذه المؤامرة المزعومة ، والجريمة لم يشرع فيها أصلاً ،بل إن الزيارة قد ألغيت من أساسها ، كما أنه ليست هناك أية مضبوطات أو أدلة مادية تدل على أن هناك إعداداً ولو مبدئياً لمثل هذا المحاولة المزعومة ،فهل يصح عقلاً أن تكون عقوبة التحريض على عمل لم يتم بل لم يُشرع فيه ،بل لم يقم أحد بأي إعداد له هي السجن مدى الحياة ،فأية عدالة هذه ؟ وأية حقوق للإنسان يتشدق الأمريكان بأنهم سدنتها والمحافظون عليها ؟