المظاهرات تعيد الشيخين "المحلاوي" و"سلامة" للشعب!! الشيخ المحلاوي لم يكن من قبيل المفاجأة ظهور الشيخين الجليلين احمد المحلاوي وحافظ سلامة بين صفوف الشعب المصري خلال الأحداث الأخيرة التي حركت المشاعر وأخرجت الشباب والشيوخ للمطالبة بالتغيير. حيث ظهر الشيخان لتأييد الانتفاضة الشعبية التي أدهشت الكثيرين بسبب ضخامتها وتواصلها وأوضحا للمتشككين أن هذه الثورة ليست خروجا على ولي الأمر وإنما مطالبات بالإصلاح وجهاد ضد الظلم. وبعدما ألقى الشيخ المحلاوي خطبة ساخنة قاد التظاهرات التي اندلعت أمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، فيما فضل الشيخ حافظ سلامة الانتقال من السويس إلى العاصمة الأولى لمؤازرة المتظاهرين. المناضل الشيخ حافظ سلامة والشيخ أحمد المحلاوي، أحد مشايخ وعلماء الأزهر المشهورين، والمعروف بجهاده وصدعه بكلمة الحق، تكلم عنه الرئيس السادات في إحدى خطبه بكلام غير لائقٍ؛ بسبب معارضته لمعاهدة كامب ديفيد، وقام باعتقاله، وحينما أراد تعذيبه لم يحمِه إلا تاجر مخدِّرات، وفي عهد الرئيس مبارك رغم عدم التعرض له إلا أنه تم منعه من الخطابة منذ عام 1996م وحتى الآن. وُلد المحلاوي في الأول من يوليو عام 1925م، وتخرج في قسم القضاء الشرعي بكلية الشريعة جامعة الأزهر عام 1957م، وتقلد عدة مناصب، آخرها رئيس لجنة الدفاع عن المقدَّسات ورئيس جبهة علماء الإسكندرية، كما عمل إمامًا وخطيبًا بوزارة الأوقاف المصرية بمحافظة البحيرة. قوات الجيش تنتشر لحفظ الأمن ثم انتقل إلى الإسكندرية وعمل إمامًا وخطيبًا لمسجد سيدي جابر، ثم نقل ليعمل خطيبًا وإمامً لمسجد القائد إبراهيم بمدينة الإسكندرية، وخلال فترة وجيزة اجتذب الشيخ عددًا كبيرًا من الجماهير عن طريق الدروس والخطب، التي كان لها الأثر الكبير في توعية الجماهير المسلمة والتزام الكثير من الشباب، وصار مسجد القائد إبراهيم من أشهر مساجد الإسكندرية. حضر إلى محافظة الإسكندرية عام 1963 كارهًا لاختلاف طبائع الناس بعد حركة تنقلات كبيرة شهدتها الأوقاف للارتقاء بالأئمة والمساجد في ذلك الوقت من منطقة البرلس بمحافظة البحيرة، بعد أن قضى هناك خمس سنوات، وعندما وصل إلى الإسكندرية كان التيار الإسلامي محاصَرًا، وأغلب أفراده في السجون والمعتقلات، والناس تخشى الاقتراب من المساجد. تظاهرات حاشدة بميدان التحرير كان من أشد المعجبين بالسادات في بداية تولِّيه السلطة، وخاصةً بعد أن خفَّف قبضَته على الإسلاميين، وأخرج المعتقلين من السجون، ولم يكن دمويًّا، وقام بالقضاء على مراكز القوى، وفي ظاهره كان حريصًا على التديُّن ومساندته للتيار الإسلامي، لكن سرعان ما تبدلت الأحوال بعد اعتقاله من جانب السادات وقول كلمته المشهورة "أهو مرمي زي الكلب في السجن". والشيخ المحلاوي ليس محسوبًا على تيار إسلامي محدَّد، ومع ذلك فالكل يضعه في مكانة عالية وصوته مسموع عندهم حيث رفض الانتساب إلى تيار بعينه؛ لأنه رأى أن انضمامه لأي فصيل يعني كراهيته للجهة الأخرى، وهو يحبهم جميعًا وإن لم يمنعه هذا من انتقاد بعضهم، حتى المتشدِّد منهم، فعلى الأقل أنه ليس من الفاسقين، وفي يوم من الأيام سيعود إلى الصواب بإذن الله. توقيف مندسين في صفوف المتظاهرين وعن رأيه في جماعة الإخوان المسلمين يرى أنها من الجماعات التي تسير على الطريق الصواب، ولقد عاصرت كافة مرشدي الجماعة، بل وسُجنت مع الأستاذ عمر التلمساني عام 1981م، ونحسبهم جميعًا على خير، وفي هذا السياق أذكر أنه أيضًا بعد أحداث السادات تم نقلي من مسجد سيدي جابر إلى مسجد القائد إبراهيم؛ ظنًّا منهم إمكانية إبعادي عن الأعمال المؤثرة، ولكنهم يمكرون ويمكر الله؛ حيث زاد الانتشار والارتباط مع أطياف التيار الإسلامي، وكانت من الفترات المؤثرة، ليس في حياتي فقط ولكن في حياة الكثيرين أيضًا؛ فتوطدت العلاقة بين طلاب الجامعة، وخرج من المسجد شخصيات مؤثرة من داخل مصر وخارجها. أما الشيخ حافظ على أحمد سلامة، فقد ولد بالسويس في 6 ديسمبر 1925م أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر، وكان حافظ الابن الرابع لوالده الحاج علي سلامة الذي كان يعمل في تجارة الأقمشة. الصورة لا تحتاج إلى تعليق بدأ حافظ سلامة تعليمه بكتاب الحي ثم التعليم الابتدائي الأزهري وأخذ في تثقيف نفسه في العلوم الشرعية والثقافة العامة ودرس العديد من العلوم الدينية ثم عمل في الأزهر واعظًا، حتى أصبح مستشارًا لشيخ الأزهر لشئون المعاهد الأزهرية حتى 1978م، ثم أحيل إلى التقاعد. انتسب للعمل الخيري مبكرا وشارك في العديد من الجمعيات الخيرية في السويس، وكان له دور اجتماعي وسياسي ونضالي بارز حيث ساهم في دعم المقاومة والمشاركة في العمليات الفدائي والتعبئة العامة للفدائيين. بعد نشوب الحرب العالمية الثانية بين قوات المحور وقوات الحلفاء أصبحت السويس أحد مناطق الصراع بين القوتين، وكانت مصر واقعة تحت الأحتلال الأنجليزي آنذاك، مما أدى إلى هجرة أهالى السويس ومنهم عائلة الشيخ حافظ سلامة والذي رفض أن يهاجر معهم وفضل البقاء في السويس وكان عمره آنذاك 19 عاما، وكان يوفر نفقاته من إدارته لمحل الأقمشة الذي يمتلكه والده وكان يرسل الأموال لعائلته التي هاجرت إلى القاهرة. انفلات أمني ومصادمات عنيفة شاهد الشيخ حافظ سلامة الحرب الدائرة بين القوتين في بلده، ولم ينأ بنفسه عن المعركة بل لعب دورا كبيرا في عمليات الدفاع المدني لمساعدة الجرحى والمصابين. في العام 1944م قابل حافظ سلامة أحد الحجاج الفلسطينيين الذين كانوا يمروا من السويس عندما كان يربط بين ميناء السويس والقدس شريط سكك حديد كان الحجاج الفلسطينين يستخدمونه في الذهاب إلى الأراضى المقدسة، وقد طلب من الشيخ حافظ توفير حجارة الولاعات التي تستخدم في صناعة القنابل اليدوية كما أمده الشيخ أيضا بالسلاح لمساندة المقاومة الفللسطينية ضد الأحتلال، حتى قبض عليه في إحدى المرات وحوكم بالسجن 6 أشهر ولكن تم الأفراج عنه بعد 59 يوم بعد وساطة من أحد أمراء العائلة المالكة في دولة مصر. الكل يحمل السلاح انضم الشيخ حافظ سلامة إلى جماعة شباب محمد والتي أنشأها مجموعة من الأشخاص المنشقين عن الأخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة عام 1948م وشارك الشيخ حافظ من خلال تلك الجمعية في النضال الوطني الإسلامي في مصر ضد الاحتلال الإنجليزي، وبعد أنضمامه بفنرة قصيرة أعلن قيام دولة إسرائيل في نفس العام، وإعلان الجيوش العربية للحرب، وأراد الشيخ حافظ التطوع في صفوف الفدائيين والسفر إلى فلسطين لقتال العصابات الصهيونية، لكن قيادة جماعته طلبت منه حينذاك عدم السفر باعتبار أن العدو الحقيقي لا يزال مرابضا في مصر. فشكل حافظ أول فرقة فدائية في السويس، كانت مهمتها الرئيسية مهاجمة قواعد القوات الإنجليزية المرابضة على حدود المدينة، والاستيلاء على كل ما يمكن الحصول عليه من أسلحة وذخائر، كان يتم تسليمها للمركز العام للجمعية في القاهرة، لتقوم هي بعد ذلك بتقديمها كدعم للفدائيين في فلسطين، وبعد هزيمة الجيوش العربية أنخرط في العمل الخيري والدعوى من خلال الجمعية. لا حول ولا قوة إلا بالله.. عين انسان تنفجر في يناير عام 1950م ألقى القبض عليه على أثر مقال كتبه في جريدة النذير أنتقد فيه نساء الهلال الأحمر بسبب ارتدائهن أزياء أعتبرها مخالفة للزي الشرعي. وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م وتحديدا في الستينات أصدر جمال عبد الناصر قرارا بحل جمعية شباب محمد وإغلاق صحفها على خلفية مقالات تهاجم فيها العلاقات السوفيتية المصرية. أعتقل الشيخ حافظ سلامة بعد ذلك في إطار الاعتقالات التي نفذها النظام الناصري ضد الإخوان المسلمون وظل الشيخ حافظ سلامة في السجن حتى نهاية 1967م بعد حدوث النكسة، وكان يقضى عقوبته في العنبر رقم 12. أفرج عن الشيخ حافظ سلامة في ديسمبر عام 1967م فاتجه إلى مسجد الشهداء بالسويس، وأنشأ جمعية الهداية الإسلامية، وهي الجمعية التي اضطلعت بمهمة تنظيم الكفاح الشعبي المسلح ضد إسرائيل في حرب الاستنزاف منذ عام 1967م وحتى عام 1973م. متظاهرون يعتلون الدبابات ولعب الشيخ حافظ سلامة دورا هاما في عملية الشحن المعنوي لرجال القوات المسلحة بعد أن نجح في أقناع قيادة الجيش بتنظيم قوافل توعية دينية للضباط والجنود تركز على فضل الجهاد والاستشهاد وأهمية المعركة مع اليهود عقب هزيمة 1967م والاستعداد لحرب عام 1973م. تعد قيادة الشيخ حافظ سلامة لعمليات المقاومة الشعبية في مدينة السويس بدءًا من يوم 22 أكتوبر 1973م هي المحطة الأهم في حياة الشيخ حافظ سلامة، ويصف الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت الحرب، هذا الدور قائلاً: "إن الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الإسلامية، إمام وخطيب مسجد الشهداء، أختارته الأقدار ليؤدي دورًا رئيسيًّا خلال الفترة من 23– 28 أكتوبر عام 1973 عندما نجحت قوات المقاومة الشعبية بالتعاون مع عناصر من القوات المسلحة في صد هجمات العدو الإسرائيلي وإفشال خططه من أجل احتلال المدينة الباسلة". مظاهرة مليونية تطالب برحيل الرئيس مبارك وبعد هذا التاريخ العظيم للشيخ من جهاد ونضال ضد العدو ظل الشيخ حافظ سلامة يلعب دورا إيجابيا في مجتمعه من الناحية الدعوية والاجتماعية وأيضا السياسية فقد رفض الشيخ حافظ سلامة زيارة السادات للقدس عام 1977 ومعاهدة كامب ديفيد عام 1979م مما جعل الرئيس السادات يضعه على رأس قائمة اعتقالات سبتمبر 1981م، وقد أفرج عنه بعد أغتيال السادات. ولا يزال الشيخ حافظ سلامة وهو في ذلك السن الكبير له عزيمة وهمة غير عادية في العمل الخيري يود أن يلقى الله بها، منها بناء المساجد مثل مسجد النور بالعباسية ومسجد الرحمن بشبرا الخيمة والعديد من المساجد في مدينة السويس التابعة لجمعية الهداية، وبناء المدارس الإسلامية بمدينة السويس ومساعدة المحتاجين. ولا يزال له دور سياسى واضح في دعمه المادى والمعنوى لشعب فلسطين ولبنان وأفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين، ودور أجتماعى هام في مجتمعه مثل الحملة الشعبية التي قادها في السويس لرفض إقامة مشروع مصنع "أجريوم" للبتروكيماويات في مدينة السويس وذلك خوفا من آثاره البيئية الخطيرة. و خلال ثورة الشباب التى بدأت يوم 25 يناير 2011 قام الشيخ سلامة بقيادة و تنظيم مجموعات الدفاع الشعبى عن الاحياء السكنية في مدينة السويس ضد عمليات السلب و النهب.