موضوع: عمر عبد الرحمن.. وغياهب السجون الأمريكية الأحد 06 فبراير 2011, 1:09 am
عمر عبد الرحمن.. وغياهب السجون الأمريكية
عمر عبد الرحمن.. وغياهب السجون الأمريكية مَلَف أوضاع المصريين في الخارج ودور الدولة تجاههم ملف خطير، لم يُفتح بعدُ، رغم ضخامة ما يحمله من مآسٍ يتعرض لها جزء غير قليل من أبناء هذا البلد، إذ كشفت وقائع بعض القضايا التي وصلت إلى الإعلام عن دور مخزٍ للدولة وحكوماتها المتعاقبة وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج، إن كان ثمة دور لها من الأساس، وليس أدلّ على ذلك من التجاهل الذي يلقاه الأسرى المصريون في السجون الإسرائيلية، أو حال ذوي الأصول المصرية من سكان الأراضي الفلسطينية، وأوضاع العمالة المصرية في دول الخليج، والمصريين المعتقلين دون محاكمة في بلدان عربية، والإسلاميين الذين يعيشون في المنفى خشية ما سيتعرضون له في حال عودتهم، والعلماء والدعاة الذين أُجبروا على الترحيل من بلادهم، والمختطفين من قِبل أجهزة استخبارات أجنبية، وعشرات الشباب المصري المعتقلين في جونتانامو، وعشرات المئات من المشردين على الحدود والموانئ هنا وهناك، وغيرها من المآسي الكثيرة التي يتعرض لها المصريون في أنحاء عديدة من العالم ولا تجد ما ينبغي أن تقوم به أي دولة مسئولة تجاه أبنائها. فإذا لم يكن من بين أجندة اهتمامات أي سلطة حاكمة متابعة قضايا رعاياها خارج البلاد، خاصة من منهم في محن، فما يكون؟! فقد طلبت أسرة الشيخ عمر عبد الرحمن من دولة قطر التوسط لدى الإدارة الأمريكية للإفراج عنه، نظرًا لتدهور حالته الصحية مع ما يعانيه من القعود، وفقدان البصر، وكبر السن، وتداعي الأمراض، والسجن الانفرادي، وتجاهل الأمريكيين لخصوصية حالته.. جاء هذا الطلب ضمن حلقة من المساعي التي بذلتها وما زالت أسرة أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر المعتقل في السجون الأمريكية منذ ما يقرب من 17 عامًا. وعلى ما فيه من قضية إنسانية وحقوقية وإسلامية يحمل هذا الطلب من زاوية أخرى مفارقة سياسية وقانونية لا يجب أن تمرَّ علينا كمصريين دون أن نستوقفها، إذ كان من الأولى أن تتوجه أسرة الشيخ (73 عامًا) إلى حكومة بلاده، إلا أنها لم تفعل، وقال نجله (عمار عمر عبد الرحمن): "بدا لنا أن مصر ليس لديها استعدادًا في الوقت الحالي لاستقبال والدي".. مما يشير إلى أنهم ربما فهموا بشكل أو بآخر أن حكومتهم ليس لديها الرغبة في انتقال والدهم إلى أحد سجونها، أو هي غير معنيَّة بمأساتهم، أو قد يكون جرى تمرير رسالة مباشرة تشي بما هو معروف من مواقف النظام الحاكم تجاه هذا الرجل الذي يوصف إعلاميًّا بأنه الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، والذي كان دائم النقد للحكم الفردي في مصر واستبداده وفساده وطريقته في التعامل مع قضايا البلاد. وكانت مصادر هيئة الدفاع عن الشيخ قد أشارت إلى أن الإدارة الأمريكية أبدت بعض المرونة في الإفراج عنه، إلا أنَّ الجانب المصري لم يبد أي رسالة ترحيب بعودته إلى بلاده، وهو موقف إن تأكد صحته فإن من اتخذوه لهم بأمس الحاجة إلى تدراكه ومراجعته، لأنها إساءة ليست في حقّ الدكتور عمر عبد الرحمن وأسرته وحدهم، بل في حق الأزهر الشريف، الذي ينتمي إليه وهو واحد من أبر أبنائه، بل في حق مصر شعبًا وحضارةً وتاريخًا، بل في حق الأمة الإسلامية كلها. عقوبة أمريكية يحظَى الدكتور عمر عبد الرحمن بمكانة كبيرة في نفوس الكثيرين، ولجُرم لم يرتكبه صدر بحق هذا العالم الأزهري عقوبة السجن مدى الحياة، في السجون الأمريكية، بعدما دسَّت عليه المباحث الفيدرالية عام 1993 عميلًا لها مصري، تحايل لتوريطه، ثم لفَّق بها قاضٍ يهودي متعصب تهمة دعم (الإرهاب) والتحريض على العنف، مستندًا لقانون قديم لم يطبق منذ الحرب الأهلية الأمريكية، فكانت محكمة سياسية لا علاقة لها بالقانون ولا بالعدالة. ثم تكشفت الروح الانتقامية لدى الأمريكيين من هذا العالم الكبير في كيفية تنفيذ العقوبة بحقه، إذ جرى وضعه في حبس انفرادي، لا يزوره ولا يكلِّمه ولا يجالسه فيه أحد، وهو ضرير قعيد لا يستطيع الحركة إلا على كرسيّ، وقال محاموه: إن إدارة السجن تتعمد الإساءة إليه، وعدم الاستجابة لمطالبه، وهم يختلقون لذلك مبرِّرات ومعاذير كاذبة، رغم تقدمه بشكاوى رسمية يتضرَّر فيها من إهمالهم لشئونه الشخصية كالحلق، وعدم قص الأظافر بالشهور، واتساخ ملابسه ما يضطره إلى غسلها بيده، كما كان الشيخ قد تعرَّض للضرب والإهانة أكثر من مرة، دون مراعاة لسنه ولا لعلمه ولا لقدره، حتى أن المحامية والناشطة الأمريكية (إلين ستيورات 66 عامًا) وهي الوحيدة التي كانت تزورُه وتسأل عنه تم سجنها بتهمة مساعدة الشيخ ونقل رسائله إلى أسرته، رغم أنها يسارية التوجه، وكانت تدافع عنه انطلاقًا من ضميرها الإنساني. وجرَّاء كل ذلك تداعت على الشيخ الأمراض، فأُصيب بورم في البنكرياس، وآخر بالكبد، إلى جانب أمراض ضغط الدم والقلب والروماتيزم والعمود الفقري والسكر، لدرجة أنه فقد الإحساس بأنامله، وهو ما جعل الشيخ يقول مرارًا: "إن أسوأ أيامي في سجون مصر كانت أفضل من أحسن أيامي في سجون أمريكا".. وهذه نهديها إلى المتشدقين بحقوق الإنسان في الغرب، إذ يبدو أن هذه الحقوق وضعت لغير المسلمين. موقفه من المراجعات وبالرغم مما يلصق إعلاميًّا بالدكتور عمر عبد الرحمن من أنه مفتي (الإرهاب)، وغيرها من التهم التي لا نهاية لها، إلا أن كل المقربين منه يشهدون له بعكس ذلك، ففي مقابلة صحفية أُجريت معه، نفى الدكتور ناجح إبراهيم -رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية- أي علاقة للشيخ بما جرى من اغتيالات وتفجيرات في مصر، قائلًا: "إن الشيخ عمر كان ضد الدمار، وهو لم يُفتِ بقتل السادات، وأستطيع أن أقول إن الشيخ عمر لو كان قد استشير فيما حدث لكان قد رفض، وهذه هي الحقيقة التي أعرفها، كان الشيخ عمر عبد الرحمن هاربًا من دون أن يعلم أحد مكانه، ولذلك لم يشارك الرجل في أي قرار بشأن اغتيال السادات". وفي مقال له بعنوان "الجماعات الإسلامية.. رؤية من الداخل"، كتب منتصر الزيات يقول: "كان وجود الشيخ عمر عبد الرحمن في مصر عاملًا مهمًّا في الحد من نزعات الشباب نحو الاندفاع غير المحسوب، لذلك كان سفره إلى السودان ومنها إلى الولايات المتحدة بداية الانفلات، خصوصًا مع تزايد التحرُّش الأمني". وفي المقابلة التي نشرتها صحيفة (المصري اليوم) للمستشار عبد الغفار محمد -قاضي قضية تنظيم الجهاد الكبرى- سُئل الرجل: "كيف تَمَّت تبرئة الشيخ عمر عبد الرحمن والمجموعة التي خرجت معه؟" فأجاب: "المحكمة العسكرية هي التي حكمتْ عليه بالبراءة، والمسألة برمتها هي نقطة قانونية لم تأخذها النيابة العامة في الحسبان، فكيف أعاقب متهمًا على جريمة لم يسمع بها أو يعرف عنها أي شيء، فهو في المسجد خطب وقال كلامًا كثيرًا ومنه أن أي حاكم ينكر واقعة جوهرية في الإسلام يستحق الموت، ولم يحدد حاكمًا بعينه"، كما أشار إلى واقعة اعتقال الشيخ في السجون الأمريكية، قائلًا: "ومثلما حدث معه في مصر حدث في أمريكا، وقال: إن المبنى الذي يحدث فيه كذا وكذا يستحق الهدم فهدم المبنى، وبذلك بقي في نظرهم هو المحرِّض على الفعل، وأظن أن هذا سبب حكمهم عليه بالسجن مدى الحياة، وقد أخبرت الصحفيين الأمريكان بوجهة نظري في هذا الأمر، ولعلهم لم يأخذوا بها ولذلك أودعوه السجن". ولما أعلنت كل من "الجماعة الإسلامية" وتنظيم "الجهاد" مبادرتهما لوقف العنف في مصر، وأصدرا مراجعاتهما الفقهية في هذا الإطار كان الشيخ من أوائل المرحِّبين بهذا التوجه. حياة مليئة بالابتلاء وُلد (عمر أحمد علي عبد الرحمن) في إحدى قرى مركز المنزلة بمحافظة الدقهلية، عام 1938، فَقَد بصره بعد عشرة أشهر من ولادته, وفي الخامسة من عمره التحق بـ "معهد النور للأكفاء" لتعليم القراءة بطريقة "برايل"، وكان معهدًا داخليًّا بمدينة طنطا، ثم عاد إلى بلدته حتى أَتَمَّ حفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره. التحق بالمعهد الديني بدمياط، ومكثَ به أربع سنوات حصل بعدها على الشهادة الابتدائية الأزهرية، ثم التحق بمعهد المنصورة الديني، ومكث فيه حتى حصل على الثانوية الأزهرية عام 1960، ثم التحق بكلية أصول الدين في القاهرة، ودرس فيها حتى تخرج منها عام 1965 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وكان الأول على دفعته، فتَمَّ تعيينه بوزارة الأوقاف إمامًا لمسجد قرية "فيدمين" إحدى قرى محافظة الفيوم، وهناك بدأ الناس يلتفون حوله. حصل على درجة الماجستير بعد نكسة 5 يونيو 1967 بشهرين، وكان موضوع بحثه "الأشهر الحرُم"، وفي عام 1968 عمل معيدًا بالكلية مع استمراره في الخطابة متطوعًا، وفي خطبه بدأ يتناول نقائص الدولة وينتقدها، مما جعل الأجهزة الأمنية تشرع في مضايقته، ففوجئ في إبريل 1969 باستدعائه إلى إدارة الأزهر، حيث التقى بالأمين العام للأزهر الذي أخبره أنه قد أُحيل للاستيداع، أي وقفه عن العمل والجلوس في البيت مع الحصول على نصف الراتب لمدة سنة أو سنتين وبعدها إما يُعاد أو يُفصل، وفي أواخر هذه السنة 69 تم رفع عقوبة الاستيداع، ولكن تم نقله من الجامعة من معيد بها إلى إدارة الأزهر بدون عمل. استمرَّت المضايقاتُ على هذا الحال، حتى تم اعتقاله عام 1970 بعد وفاة جمال عبد الناصر، حيث وقف الشيخ على منبره وقال بعدم جواز الصلاة عليه، فتمَّ اعتقاله بسجن القلعة لمدة 8 أشهر إلى أن أُفرج عنه في يونيو 1971. وعلى الرغم من التضييق الشديد الذي تعرَّض له بعد خروجه من السجن إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة طلب العلم.. فعاد لمعهد الفيوم لمدة 3 أشهر، وبعدها تم نقله تعسفيًّا إلى معهد المنيا، فتم التضييق عليه من إدارة المعهد التي تعاونت مع المباحث في إلحاق الضرَر به، ومع التضييق الشديد عليه والحد من حركته كان يذهب للفيوم مساء الخميس والجمعة للانتهاء من طبع رسالة الدكتوراة، إلى أن تَمَّ تحديد موعد مناقشة الرسالة سرًّا حتى لا تعلم الأجهزة الأمنية وتحول بينه وبين الانتهاء منها، فقبل أسبوع من المناقشة أخذ الموعد سرًّا من عميد الكلية الشيخ "محمد أبو شهبة"، وأبلغ معهد المنيا أنه مريض لا يستطيع الحضور هذا الأسبوع، وفي يوم الاثنين 13/3/1972 دون أن يعلم أحدًا من أهله أو أصدقائه ذهب إلى الكلية لمناقشة الرسالة التي لا يعلم بأمرها سوى العميد والعضوان، وقبل الموعد بساعة واحدة تم وضع إعلان صغير في الكلية يحدِّد موعد مناقشة الرسالة، فتمكَّن من الحصول على العالمية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى من كلية أصول الدين شعبة التفسير، وتم الانتهاءُ من الرسالة دون أن يستطيع الأمنُ وقفَها، وفوجئ الجميع في اليوم التالي بمنشور في الصحف عن حصول الشيخ عمر عبد الرحمن على درجة الدكتوراة وكان موضوع الرسالة "موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة". مُنع من التعيين في الكلية، واستمر المنع حتى صيف 1973 حيث استدعته الجامعة وأخبرته بوجود وظائف شاغرة بكلية البنات وأصول الدين، فاختار أسيوط، ومكث بها أربع سنوات حتى 1977، ثم أُعير إلى كلية البنات بالرياض حتى سنة 1980، ثم عاد إلى مصر. في سبتمبر 1981 تم اعتقاله ضمن قرارات التحفظ، فتمكَّن من الهرب، حتى تم القبض عليه في أكتوبر 1981 وتمت محاكمته في قضية اغتيال الرئيس السادات أمام المحكمة العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا، حيث اتهمته السلطات بأنه الذي أفتى باغتيال رئيس الجمهورية، وقد دافع الشيخ عن نفسه وقتذاك وعن المئات من المتهمين أمام المحكمة إلى أن حصل على البراءة من كل ما نُسب إليه، وتَمّ تدوين هذه المرافعة في كتاب يحمل اسمه بعنوان "كلمة حق"، وخرج من المعتقل في 2/10/1984. وبعد خروجه فرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله، فحُبس في بيته مدة عام، وتكرر ايداعه السجن لفترات مختلفة إلى أن سمحت له وزارة الداخلية بالسفر خارج البلاد، لأنهم اعتبروه مصدر إزعاج لهم، غادر مصر نهائيًّا سنة 1990 فسافر إلى الولايات المتحدة لممارسة نشاطه الدعوي، وهناك اتخذ مقرًّا له مسجد (الفاروق) في حي بروكلين، وكان طبيعيًا أن يلتف الناس حوله ويؤمهم في صلاتهم لكن اللوبي الصهيوني في نيويورك لم يرض عن نشاط الشيخ الدعوي هناك حتى جرى توقيفه عام 1993 ليحكم عليه بالسجن مدى الحياة منقول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]