السادات ضحك على إسرائيل والسوفيت ومراكز القوى -ج7- من حوارنا مع د/ محمود جامع
حاوره د/ ناجح إبراهيم الرئيس السادات شئنا أم أبينا هو جزء هام من تاريخ مصر المعاصر.. بل هو جزء مهم من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.. فقد ترك عدة بصمات وتغيرات إستراتيجية هامة على مصر من كافة النواحي الدينية والعسكرية والإستراتيجية والاقتصادية.
وشخصية السادات من الشخصيات الثرية التي تمكن الباحث في علم النفس السياسي من التعمق في دراستها.
ضيفنا د/ محمود جامع ممن اقترب كثيراً من الرئيس السادات قبل الرئاسة وبعدها.. ويستطيع من خلال سنه وتجاربه وعلمه وصداقته له أن يدلى بدلوه في هذا المضمار.
ولذلك خصصنا هذا الجزء لنتحدث عن الرئيس السادات من وجهة نظر أحد أصدقائه ومخالطيه.. تاركين للقراء الرأي النهائي فيما يقوله د/ جامع.. والذي التزم أن يحكي ما عاشه وما رآه عن قرب.. وهذا ما لمسناه فيه.
والآن مع هذا الجزء الهام جداً من هذا الحوار.. فإلي هناك.
مرحبا ً بكم مجددا ً ؟
أهلا ً وسهلا ً بكم ..
متى بدأت علاقتك بالرئيس السادات ؟ بدأت هذه العلاقة قديماً جداً في الثلاثينات والأربعينات من خلال أسرتي.. فقد كان جدي عمدة القرية التي كانت تعيش فيها أسرة السادات.. وتركتها بعد ذلك لبعض ظروفها الخاصة إلى قرية صغيرة مجاورة لقريتنا أسمها "ميت أبو الكوم".
وحينما هرب السادات أيام قضية أمين عثمان الشهيرة كان جدي ممن أكرمه وأواه فترة.. وكان جدي قوياً وشهماً.
فلما قبض على ّ عام 1954 م ذهبت أمي إلى السادات الذي تكرم بالوساطة للإفراج عني رداً لجميل جدي السابق.
ولما خرجت من السجن قال لي السادات :
تعال اعمل معي في الإتحاد الاشتراكي.. فعملت معه فيه وفي مجلس الأمة ثم التنظيم الطليعي.
ثم توثقت بيننا العلاقة والصداقة جداً في فترة إصابته بجلطة القلب.. ووقتها كان نائباً لرئيس الجمهورية.
ما هي قصة مرض السادات نائب رئيس الجمهورية في أواخر الستينات بالجلطة في القلب ؟
أصيب السادات حينما كان نائباً للرئيس بجلطة في القلب.. وكان يعالجه العالم الكبير د/ محمد عطية طبيب القلب الشهير وطبيب عبد الناصر شخصياً.
وكان السادات يحب أن يختلي بنفسه.. فمكث معظم فترة المرض في قريته في "ميت أبو الكوم".. وكان يحبني ويأنس بعشرتي.. فقال لي :
يا محمود تعال امكث معي في " ميت أبو الكوم" حتى تتابع مع الأطباء حالتي.. وتخفف عني.
فأجبته على الفور ومكثت معه ثلاثة أشهر كاملة لم نفترق خلالها.. وكانت فترة جميلة جدا ً.. وخاصة أن السادات رحمه الله كان خفيف الظل حلو الحديث وحسن العشرة.. وكان وقتها لا يثق في أحد.. ولا يطمئن للكثيرين من حوله.
وهذه الفترة بالذات هي التي وثقت علاقتي جداً به.. وجعلته بعد ذلك يصطحبني في بعض جولاته الخارجية قبل وصوله للرئاسة.
ما هي أهم الجولات التي قمت بها معه ؟
أهم زيارة لا أنساها هي زيارتنا لسوريا.. فقد قال لي يوماً :
تعالى يا محمود نروح سوريا مع بعضنا البعض.
فقلت له : ماشي.. وذهبت معه.. وكان معنا في الطائرة الرئيس الفلسطيني السابق/ ياسر عرفات رحمه الله.. وحسن صبري الخولي.
وهناك أخذني السادات من يدي وقال تعال نتفرج على الجولان.. وهناك قال لي:
يا محمود الجيش السوري في الجولان في 5 يونيه سنة 1967 لم يطلق طلقة واحدة على اليهود.. والجولان اتباعت يا محمود لليهود .. لقد باعوها بـ 10 مليون دولار.
وأقول لك حاجة يا محمود: اليهود أرحم من البعثيين.
ولكن هذه شهادة خطيرة تكررت كإشاعات قديماً .. ولكن هل هذه الرواية لها شهود آخرين ؟
نعم.. عندما قلت ذلك في بعض أحاديثي الصحفية كذبني البعض وشنعوا بي.. ولكن أ/ أنيس منصور كتب مقالاً أيدني فيه.. وقال كلام د/ محمود جامع صحيح 100 % .. وقد أخبرني الملك فيصل رحمه الله بنفس هذا الكلام.
إذا ً ما قاله لي السادات قاله أيضاً الملك فيصل.. وكلاهما كان مقرباً جداً من أنيس منصور.. وعموماً هذه شهادتي ومن يريد ألا يأخذ بها أو يردها فهو حر.
فالجولان لا يمكن اقتحامها.. إلا بخيانة.. لأنها جبال مرتفعه يستطيع أضعف مدافع عنها أن يكبد المهاجم خسائر فادحه بسهوله.
لماذا طالت فترة علاج السادات من جلطة القلب ؟
علاج جلطة القلب لم يتطور إلا هذه الأيام.. فضلاً عن استحداث عمليات تغيير الشرايين التي تتم الآن بسهوله ويسر.. وهي التي أطالت أعأعـمار كل السياسيين الآن .. فعبد الناصر مات بالسكتة القلبية وعمرة 52 عاماً فقط.
ما هي أهم المواقف التي عشتها بنفسك مع السادات في فترة مرضه ؟
حدث موقف طريف وعجيب أثناء فترة مرضه.. ففي يوم من الأيام جاء تليفون للسادات وهو مريض في ميت أبو الكوم من السفارة السوفيتية بالقاهرة.. وكان المتحدث هو السفير السوفيتي الذي أراد أن يطمئن على صحة نائب الرئيس ويريد زيارته وعيادته.
فقال له السادات: مرحباً بك.
فقلت له:السوفيت يسألون عنك.. ما هذا ؟.. إنهم يكرهونك ويعرفون إنك لا تحبهم وتحب أمريكا.
فقال السادات بدهاء :
إنه ليس حباً في ًّ يا محمود.. ولكن عبد الناصر مريض مرضاً شديداً وأيامه معدودة.. وأنا نائب الرئيس.. وهم يريدون أن يكتبوا تقريرا ً عن صحتي .. إنه يريد أن يرى بدقه قدرتي وحيويتي.. أي الـ fitness" ".
وماذا فعل السادات يوم زيارة السفير ؟
كان مريضاً قبلها جداً.. ولكنه نشط ولبس بدله فاخرة.. وجلس في منتهى اللياقة.. ولما جاء السفير السوفيتي أحضر له الفطير المشلتت والجبنة القديمة فأكل منه كثيراً جداً.. واطمئن أن السادات بصحة جيدة.. فلما غادرنا عاد السادات فوراً إلى السرير.
وماذا حدث بعد ذلك ؟
تصور إنه بعد عدة أيام جاءت رسالة للسادات من رئاسة الجمهورية تبلغه أن السفير السوفيتي الذي كان عنده مات بالسكتة القلبية.
وما أهمية ذلك في الموضوع ؟
ظل السادات يفكر ويخمن ويقول لي :
يا ترى يا محمود السفير كتب التقرير قبل ما يموت.. أم لا ؟
شخصية الرئيس السادات من الشخصيات التي يحتار الناس في تحليلها.. فهي معقدة رغم ظن البعض أنها شخصية سهله أو سلسة.. فما رأيك أنت؟.. لاسيما أنك انفتحت عليه قبل الرئاسة وبعدها ؟
الرئيس السادات شخصية مركبة من خلطة غربية ولا يستطيع أحد حصر شخصيته في نوع (class ) معين.. ولكنها مزيج من عدة شخصيات كالأتي :-
أولاً : الرجل الفلاح بطبعه:
وذلك انعكس على شخصيته في الأتي:- حب المجاملة للآخرين.. ومساعدة الفقراء.. والسؤال عن المريض.. والوفاء لمن أسدى له الجميل.
ثانياًَ : الممثل القدير:
فقد كان أشبه بالممثل الذي لا يعجزه لعب أي دور.. أو تقمص أي شخصية.. فهو في الاتحاد الاشتراكي اشتراكي.. وهو مع عبد الناصر ناصري.. وهو قبل الثورة يساند الحرس الحديدي.. وهكذا.
ثالثاً: لا يحمل حقداً على أحد:
فقد يغضب السادات من البعض غضباً شديداً وينفعل انفعالاً شديداً.. ولكنه يصفو سريعاً.. ويفييء إلى نفسه سريعاً.. فهو شديد الغضب سريع الهدوء والصفاء.
رابعاً: الدهاء والذكاء السياسي:
فقد دخل في تنظيمات سياسية كثيرة وأحزاب سياسية رسمية وغير رسمية.. ودخل مستنقع السياسة منذ صغره.. ولذا فقد كان محنكاً في السياسة.. لأنه منذ شبابه وهو يعمل في السياسة.
خامساً: يحب التنظيمات السرية:
من الخصائص العجيبة للسادات إنه كان يهوى التنظيمات السرية.. ويكتم أسراره وما ينتويه عن الآخرين دائماً.. وقد يقول لهذا كلام وللأخر كلام مناقض له.. وللثالث كلام مناقض لذلك كله.. وكان يهوى هذه الأشياء وكانت له في بعض الأحيان شخصية تآمرية فظيعة.. وكان له دهاء فظيع.. ولكن كان يغلب عليها في كثير من الأحيان طبعه الطيب.
سادساً : يحب التدين:
كان السادات يحب الدين بصدق رغم كل الصفات السابقة.. وكان مواظباً على الصلاة والاستماع للقرآن قبل وبعد الرئاسة.
إنها خلطة عجيبة فعلا.ً. وقد تبدو متناقضة؟
قد تراها متناقضة.. ولكنها هي شخصيته الحقيقية.. وكان يستطيع توظيف كل رافد من شخصيته في الوقت المناسب وفي المكان المناسب بذكاء ودهاء منقطع النظير..وقد أدرك الجميع بعد موته بسنوات أنه كان أذكى بكثير من عبد الناصر.. وأكثر منه في الدهاء السياسي.
ما هي أهم صفة في شخصية الرئيس السادات ؟
أهم صفة هي الدهاء .. والقدرة على التخلص من المواقف الصعبة .. فقد استطاع السادات أن يخدع عبد الناصر .. وكان أكثر دهاء ً منه .. كما استطاع أن يخدع ويهزم مراكز القوى .. رغم أنهم كانوا أكثر منه قوة وبأسا ً وجبروتا ً وسلطة .
كما استطاع أن يخدع الاتحاد السوفيتي بجبروته ويحصل منه على أحدث الأسلحة المتطورة .. والتي مكنته من خوض حرب 1973م والانتصار فيها .. وتحقيق أول نصر عربي إسلامي على إسرائيل.
كما استطاع أن يخدع إسرائيل خداعا ً إستراتيجيا ً وتكتيكيا ً كاملا ً وبارعا ً وفاجأها مفاجأة تامة بالحرب .. في الوقت الذي كانت تظن فيه أنه أبعد الناس عن القيام بهذه المغامرة
فالدهاء والذكاء أهم مفتاح لشخصية الرئيس السادات الذي كان يستطيع أن يصبر طويلا ً على فريسته حتى تسقط وحدها .. أو تسقط هي نفسها من تلقاء نفسها.. أو تنزاح من طريقه.. أو يضطر هو لافتراسها بعد وقوعها في سلسلة متشابكة من الأخطاء القاتلة .
كيف كان السادات أدهى وأذكى من عبد الناصر .. وكيف استطاع خداعه رغم أن عبد الناصر كان من الدهاء إلي حد بعيد؟
ذكرت قبل ذلك أن الوحيد في مجلس قيادة الثورة الذي قرأ شخصية عبد الناصر مبكرا ً هو السادات .. وأيقن أن عبد الناصر سيتخلص من كل زملائه تدريجيا ً
فقال له:
يا ريس أنا سأسافر للإسكندرية .. وصوتي معك في المجلس .
فلم يدخل في صراعات معه أو مع حوله.. أو مع أحد من زملائه على الإطلاق .. ولذلك ظل في السلطة حتى وصل إلي نائب الرئيس .. وهو الوحيد من زملاء عبد الناصر الذي وصل لهذا المنصب .. وذلك بالرغم من كراهية عبد الناصر له.
لقد تحمل السادات من عبد الناصر كل شيء في هذه الفترة الطويلة .. وكان يعامله أقل بكثير من معاملته لهيكل مثلا ً .. ولكنه صبر حتى وصل إلي سدة الرئاسة.
والخلاصة أن عبد الناصر كان داهية.. وضحك على الجميع بما فيهم زملائه والإخوان ومحمد نجيب و.....و...... ولكن الوحيد الذي ضحك عليه هو السادات
وكيف ضحك السادات على مراكز القوى ؟
عندما اشتد المرض بعبد الناصر.. وتكررت معه الأزمات القلبية كون لجنة لإدارة أمور الدولة.. وكانت هذه اللجنة تجتمع يومياً.. وكان يرأسها السادات نائب الرئيس.. وكانت هذه اللجنة تتكون من الآتي : السادات "رئيسا"ً.. وشعراوي جمعة "وزير الداخلية".. وعلى صبري وسامي شرف.. وأمين هويدي "رئيس المخابرات".. وحسنين هيكل.. ومحمد فوزي "وزير الدفاع" كأعضاء.
ووجد السادات أن هؤلاء جميعاً أقوياء وهو أضعفهم.. وأنهم جميعاً لا يحبونه ولا يقدرونه.. فلم يجد بداً من خداعهم.
وماذا فعل ؟
لقد قال لي حرفياً:
عارف أنا عملت إيه معهم يا محمود "أنا تركتهم يفعلوا ما يريدون.. ولم أعارضهم في شيء.. ولم أدخل معهم في صراعات على الإطلاق.. وهم استراحوا لطريقتي هذه واطمأنوا لها بعد ذلك".
وأظن أنه لولا ذلك ما قبلوا أن يعين رئيساً للجمهورية بعد ذلك.. فقد ظنوا أنه بعد الرئاسة سيتكرر الأمر بهذه الطريقة.
وماذا عن دهائه السياسي مع مراكز القوى بعد وصوله إلي سدة الرئاسة ؟
كل مراكز القوى باستثناء هيكل كانوا يساريين.. ويحبون الاتحاد السوفيتي.. ويريدون تسيير الأمور بنفس الطريقة التي كانت تسير بها أيام عبد الناصر.. وبعد وصول السادات للرئاسة كانوا يستخفون به ويسخرون منه ويعتبرونه دمية بين أيديهم يحركونها كيف شاءوا.. ولم يكونوا في الحقيقة يعتبرونه رئيسا.. ً ولكنه مجرد صورة وواجهة لهم فقط.
كيف ذلك ؟.. وهل عشت ذلك بنفسك؟
نعم .. ورأيته بنفسي.. ففي مرة من المرات كنت أركب مع السادات سيارة الرئاسة ومررنا على شارع الهرم
فقلت له: يا سيادة الرئيس هل تذكر منزل من هذا ؟
فقال: نعم.. إنه منزل المستشار عبد القادر حلمي.
فقلت له: أين هو الآن ؟ إنه في ليمان طرة حتى الآن.. هل ينفع ذلك يا سيادة الرئيس في عهدك.. يجب أن يخرج هذا الرجل فوراً.. وكذلك يا ريس عبد الفتاح باشا أبو الحسن وزير الداخلية الوفدي وصالح أبو رقيق صديقك الأسبق.. والثلاثة الآن في ليمان طرة.
فقال لي السادات: "سأكلم شعراوي وزير الداخلية ليخرجهم فوراً".
وماذا حدث بعد ذلك؟ لم يخرجوا طبعاً.. فقلت للسادات: لماذا لم يخرجوا.
فقال: كلمت شعراوي ولكنه لم ينفذ.. اذهب إليه أنت.. وخذهم معك.
هل ذهبت إلى شعراوي جمعة فعلا ً؟
نعم.. ذهبت إليه ولكنه فاجأني بقول غريب جداً حيث قال:
"أنا الأمن.. وأنا وزير الداخلية.. ولا دخل لرئيس الجمهورية بهذه الأمور.. ولا يتدخل في عملي.. ولن أنفذ قراره".
قالها هكذا دون مواربة أو حياء.
فذهبت وقلت للسادات ما حدث فسكت ولم يعقب.. ثم قال: "أنا ها أعمل إيه" .
وكيف خدع هؤلاء الأقوياء الذين استهانوا به حتى وضعهم في السجون جميعا؟
هؤلاء كانوا عاملين السادات لعبة.. وهو مثل الدور عليهم.. حتى تمكن منهم.. وكما يقول العوام:
"تمسكن لهم حتى تمكن منهم"
وقد لخص لي السادات يوماً ما فعله مع مراكز القوى فقال:
"هؤلاء ربطوا الحبل على أنفسهم وأنا فقط شديته"
يقصد أن هؤلاء بغبائهم السياسي الذي أوقعهم الله فيه قدموا استقالاتهم فجأة لزعزعة السادات.. فكانت في ذلك نهايتهم.. إذ قبل السادات استقالاتهم وسهلت عليه مهمة القبض عليهم ومحاكمتهم بعد أن صاروا بأيديهم بعيداً عن السلطة.. تصور أنه قبض يومها على وزير الحربية والداخلية والإعلام وأمين الاتحاد الاشتراكي ورئيس المخابرات العامة.. كل ذلك في لحظة واحدة. وأنا أعتبر ضرب السادات لمراكز القوى أعظم حسنات السادات.. فلولا ذلك ما نعمت مصر بأي قدر من الحرية.. فقد كانوا وبالاً على مصر كلها.
وكيف ضحك السادات على الاتحاد السوفيتي واستطاع أن يحصل منه على أسلحة متطورة جداً قبل حرب أكتوبر.. وهذه الأسلحة لم يستطع عبد الناصر نفسه الحصول عليها؟
السادات كان غاية في الدهاء في معركته مع الاتحاد السوفيتي.. فقد كان أمريكي الهوى والتوجه.. وكان يكره السوفيت والشيوعيين قاطبة.. ويراهم رأس كل مصيبة وأنهم لن ينفعوا مصر أبداً.. ويعلم في الوقت نفسه أنهم لا يحبونه.. فماذا يفعل السادات؟
لقد تفتق ذهنه عن فكرة لا تخطر على بال أحد.. فقد قام بتعيين د/ عزيز صدقي وهو رجل وطني ويحبه الاتحاد السوفيتي ومقرب إليه جداً.. وهو الوحيد الذي نجح في الحصول على الأسلحة الحديثة المتطورة منهم.. وذلك بعلاقاته الوثيقة بهم.
أما الذكاء والدهاء الأهم للسادات فهو طرده للخبراء العسكريين الروس الذين كانوا متواجدين في معظم الوحدات العسكرية المصرية وذلك قبل الحرب حتى يستطيع خداع إسرائيل وأمريكا من جهة.. وحتى لا تتسرب استعداداته لساعة الصفر إلى أحد من جهة أخرى.. فاستفاد كثيراً من هذه الخطوة الأخيرة.
وعلى فكرة السادات أول سياسي عربي أدرك أن الاتحاد السوفيتي في طريقة للضعف والانهيار قبل أن يدرك العالم العربي كله ذلك.
وماذا عن خداع السادات لإسرائيل وقدرته على مفاجأتها عسكرياً واستراتيجياً وتكنيكياً في حرب أكتوبر سنة 1973م؟
السادات منذ توليه السلطة وهو يعطي الانطباع لإسرائيل أنه لن يحارب.. وأنه أضعف من ذلك.. وقد ظل يعطيها إشارات خادعة حتى فاجأها بحرب أكتوبر مفاجأة تامة.. وكانت هذه أول مرة لا تملك فيها إسرائيل زمام المبادأة في الحرب وتخسر فيها هذه الخسائر.